السلام عليكم.
تحدثنا فى الوحدة اﻷولى عن اللغة ككائن اجتماعي بامتياز.
وأشرنا أنه بالإضافة لكون اللغة أداة
تمكننا من التواصل مع المجتمع من حولنا، فهى فى مكنونها
مخضبة بصبغة اجتماعية فى نسيجها وتكوينها.
وتأتى مقاربات علم تحليل الخطاب لتركز
على فعل الخطاب اللغوي فى تمثيل وتكريس وتثبيت عناصر
السلطة والسيطرة واﻷنظمة الاجتماعية القائمة.
فما هو مجال اهتمام تحليل الخطاب النقدي؟
>> وكيف ترتبط مفاهيمه الأساسية بعمل الإعلام؟
نقوم فى حياتنا
اليومية بالتعرض للخطاب اللغوي فى مظاهر عدة.
نسمع خطباً سياسية ودينية ونقرأ الأخبار على
الصحف والمجلات ونطالع المقاطع النصية والصور على شبكات التواصل.
لكل هذه النصوص بنية تتسم بقدرٍ متفاوتٍ
من التماسك من حيث الترابط اللغوي والمنطقي. وتهدف
إلى تشكيل معنى معين يقوم القارئ باستخلاصه.
ويهتم محللو الخطاب بالبحث في علاقة النصوص بالسياق
ويتجاوزون معاني النصوص للبحث في دلالاتها فى عملية تشكيل المعرفة.
وتكون هذه المعرفة حُبلى بالمعطيات عن الأدوار الاجتماعية وعن
علاقات القوةوالسلطة بين أعضاء المجتمع.
يختلف تحليل الخطاب
النقدي عن تحليل الخطاب عموماً بكونه ينطلق من
فرضية محددة غير محايدة مفادهُا أن السيطرة واللامساواة
والشطط في استخدام السلطة مفاهيم تظهر وتُفّعل وتثبت من
خلال استخدام اللغة في مجال السياسة وفى الوسط الاجتماعي.
ويُعّرف فان دايك (2001) تحليل الخطاب النقدي، بكونه مجالا للبحث يأخذ
موقفاً معلناً في مواجهه الإساءة في استعمال الخطاب
ويهتم بكشف وفهم ومقاومة اللامساواة.
ويعمل تحليل الخطاب النقدي على تحديد ومقاومة آليات
السلطة والقوة، >> وآليات التحكم بعقول الآخرين.
التحليل النقدي للخطاب
يُعّرفُ فان دايك السلطة بأنها قدرة البعض على التحكم في
أفكار وتصرفات الآخرين. وهذا يفترض وجود فوارق بين مكونات
المجتمع ليتمكن بعضها من ممارسة السلطة على البعض اﻵخر.
وتتمثل الفروقات في درجة القوة وتوفر
المال والمنزلة الاجتماعية والشهرة والعلم إلى غير ذلك.
حيث تمارس الأنظمة القمعية مثلاً السلطة باستخدام قوة العنف
في حين يمارس الأغنياء سلطتهم اعتماداً على قوة المال.
ويستخدم اﻵباء والأساتذة والصحفيون قوة العلم والمعرفة والتخصص.
ولا تكون عناصر القوة منعزلة، فقد تتمازج
وقد تكون فاعلة أحياناً أو غير مجدية أحياناً أخرى حسب السياق.
كما لا يكون تفعيل القوة مرفوضاً ومحل نزاع دائماً، فعادة
ما يقبل الناس الإذعان لبعض أنواع القوة حين يعتبرونها شرعية ومقبولة وطبيعية.
ومن الأمثلة اللغوية لتسليط القوة على الآخر منعه
من الكلام بحسب الممارسات الاجتماعية التى تُحدد وقت الكلام ووقت السكوت.
وهذا متعارف عليه في المحاكم مثلاً والمناظرات وفى علاقات
أفراد المجتمع مع الوجهاء وكبار السن وذوى النفوذ السياسي.
ويُعتبر حق استخدام الخطاب العام وجها من وجوه السلطة.
ففي حين يكون المشاهد سلبياً لحد كبير، يقوم
الإعلامي بالعمل في جو مفعم بالإيجابية حيث يمارس سلطته
من خلال استجواب الناس ومقاطعتهم والاستفسار منهم
وحتى إقصائهم. وهو المتحكم في تحديد مواضيع النقاش والمداولة.